مقالات


الثلاثاء - 08 نوفمبر 2022 - الساعة 09:35 م

الكاتب: د/ محمد ابوبكر شوبان - ارشيف الكاتب


أيها الأموات، أحييكم بتحية الإسلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنتم السابقون ونحن لا شك بكم لاحقون أسال الله لنا ولكم العافية .. أيها الأموات جميعا من كل التيارات السياسية والمذهبية والفئوية: أسأل الله أن يعفو عنكم وهذا جل ما أتمناه وأن نواياكم كانت خالصة وأن أعمالكم كانت لله ثم للوطن جميعكم من كان على صواب ومن غرر به ..
على أية حال ها أنتم في عالم لا نعلم منه شيئا عن حالكم في المقابر لكن عزؤنا أننا نحتسبكم شهداء عند الله ترزقون ..
فيا أيّها الشهداء: شيباً و شبّاناً و أطفالاً ونساءً من مات في الميدان ومن اغتالته يد الغدر أو وافاه الأجل إلى مضجعه برصاصة طائشة أو صاروخ ضل طريقه أو غارة خانتها التكنلوجيا أو من يتعامل معها ..
أيها الميّتون على ثرى الوطن ومن أجل حرية مواطنيه،
أيها القابضون على الجمر تحت نيران صمتكم المطبق في عالم الموت، أقول لكم -وللأسف-: انه حتى اللحظة لم يتغير من الحال شيئا بل ربما زاد الطين بلة وتضاعفت المعاناة وأنتم السبب وإن لم تقصدوا ذلك ولكل امرئ ما نوى كيفما كانت نواياكم .. لكن لو قدر لكم أن ترون أوتسمعون عن حالنا من بعدكم لضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين..
أيها الأموات في عالم البرزخ أطمئنكم أنه حتى اللحظة لم يستفد من تضحياتكم إلا قلة قليلة ساندها الحظ أو الانتماء بشتى انواعه ولم يصل إلى شعبكم المظلوم إلا أوجاعا يرافقها الجوع .. ولو قدر لأرواحكم أن تزور دنيانا فستعلم أن ما أقوله صوابا وستدرك فداحة الخطب آسفة فقد اعتلى رفات أجسادكم الطاهرة من يستحق ومن لا يستحق ..
أيها الميتون القابعون في البرزخ، استسمحكم عذرا لأني قطعت صمتكم لكن لتعلموا أني لم ألجأ لمخاطبتكم إلا بعد أن رأيت أن هناك ممن أخاطبهم أزعجهم قولي وقالوا عني مالم أقله أو أخذوا في تفسير ما أقوله مذاهب شتى فوجدتكم أكثر منهم موقعا للخطاب وأضعف الإيمان أنكم لا تستطيعون الكلام لو أردتم تزوير أوتحريف ما أقوله على هواكم .. لم ألجأ إليكم إلا بعد أن ذاب لساني وأنا أخاطب الأحياء ليلا ونهارا ولم يزدهم خطابي إلا فرارا فلجأت إليكم لأخبركم إن دماءكم الزكية لم تؤت ثمارها لما سالت من أجله.. أيها الأموات، علكم تفهموني أكثر من هؤلاء الأغبياء الذين تبلدت عقولهم وقست قلوبهم فاضحت وظلت وأمست وباتت وصارت صخورا لا تعي و لا تحس ولا تتفاعل ولا تفهم ولم يبق من أنسانيتها إلا أنها محسوبة على عالم الأحياء لكنها في الحقيقة هالكة الضمير تحولت إلى كابوس مفجع على صدر شعب أصابه هزال السياسة وعفنها؛ كابوس يتنقل من حيّ إلى حيّ ومن مؤسسة إلى أخرى!
أيها الميتون، أعرف أنكم لا تستطيعون الاعتذار وطلب السماح والعفو ممن أصابتهم الحاجة وقلة ذات اليد أوباتوا مشردين من وطنهم تائهين يهيمون لا أهل ولا وطن ولا جار جراء فعلكم الذي لم تقصدوا منه إلا خيرا..
أيها القابعون في عالم الموت، ها أنتم تحت أنقاض الثرى ولو كنتم فوق الأرض لصعقتم من هول ما يحدث بنا..
أيها الميتون: كل انجازكم الذي حققتموه أنكم استرحتم من هذا العالم المتهالك فلتهنأوا وأنتم في مقابركم .. لكنني أسالكم، أيعجبكم هذا الوجع الدائر فينا؟ وهل تضحكون الآن لأنكم فزتم بالهروب من خرائط أوجاعنا ونحن لا زلنا نتقاسم التيه و القرارات الموجعة؟!
لن أطيل الحديث معكم، فأنا لا أعلم ما هي أوضاعكم لانه غيب يعلمه الله لكن الذي أعلمه و أدريه أنكم مرتاحون من هذه الحياة ومن أزيز الطائرات والاشتباكات اليومية وأصوات المدافع ومن حملات الاعتقالات العشوائية ومن عذابات حاجاتنا الأساسية التي نلهث وراءها كي نوفّر شيئاً منها .. أعلم أنكم الآن تعيشون سعادة غامرة أنكم لا ترون مسؤولين كباراً في المواقع و الصحف و الفضائيات يفصلون من الهواء قمصان لنا وهم يبتسمون ابتسامات كاذبة ويوزعون قبلات الموت البطئ !
أيتها المقابر ؛ قولي لشهدائنا ألف مليون ترليون مبروك لكل القادمين إليك كلّ يوم فقد فازوا فوزاً عظيماً و تركونا نشقى بحياة كلّها أحياء لا حياة فيهم فهم لايسمعون ولا يبصرون ولكنهم يتقنون صنع الأوجاع بنا ولنا ..
هنيئاً لكم يا كلّ الأموات..