مقالات


الخميس - 13 يونيو 2024 - الساعة 04:11 م

الكاتب: علاء علي العبدلي - ارشيف الكاتب



على شواطئ عدن الساحرة، حيث ترقص الأمواج على رمال ذهبية لامعة تحتضنها جبال شامخة، التقيت بفتاة الجنوب التي حملت على كتفيها عبء تاريخ عريق وحكايات نضال مستمر.

جلست معها على أحد المقاهي المطلة على البحر، حيث يمتزج صوت أمواج البحر العذبة بأصوات طيور النورس التي تحلق في السماء. كان وجهها يحمل آثار الزمن الصعب الذي عاناه شعبها، لكن في عينيها كانت تلمع شرارة أمل لا تنطفئ.

بدأت تحكي لي قصتها بصوت ممزوج بين الشوق والألم، فصوتها كان صدى شعبها الذي عانى الأمرين من الخيانات والوعود الكاذبة التي سرعان ما تبخرت في ضباب الزمن. تحدثت عن شعرائها الكبار، مثل حسين السُروري الذي نسج بكلماته قصائد ملحمية عن صمود شعبها وتوقه للحرية. وذكرت لي روائييها المبدعين، مثل علي أحمد باكثير الذي رسم لوحات أدبية مؤثرة عن تضحيات رجاله ونسائه وتحدثت عن فنانيها الحصريين مثل عبود خواجة الذي اعطى حماس الحشود الجنوبيين .

قالت لي: "أنا قضية الجنوب، قضية شعب تنازع من أجل حقه في تقرير مصيره، شعب آمن بحلم الحرية مهما طال الليل."

شربنا قهوتنا معًا، وجلسنا نتحدث لساعات طويلة، ودخان المدينة يتصاعد كأنه أنفاس شعبها الصارخ بالعدالة. تحدثنا عن قادة الثورة، أولئك الرجال الشجعان الذين وقفوا في وجه الطغيان، وعن المظاهرات والاحتجاجات التي هزت شوارع عدن مطالبة بحقوقها المغتصبة.

تحدثت عن آلامها وآمالها، عن شعبها الذي صبر طويلاً وتعب كثيراً، لكنه ظل متمسكًا بقضيته العادلة. قالت: "نحن شعب الجنوب، شعب لا ينكسر، شعب يقاوم الظلم والطغيان حتى ينتصر."

وفيما كانت تتحدث، شعرت وكأنني أعيش معها كل لحظات نضالها، كل لحظات فرحها وحزنها، كل لحظات أملها ويأسها. لم تعد القضية الجنوبية مجرد قضية بالنسبة لي، بل أصبحت فتاة التقيت بها صدفة على شاطئ عدن، فتاة تحمل على كتفيها أحلام شعب بأكمله.

وعدتها أن أكون صوتها، أن أنقل قصتها للعالم، أن أقول للجميع إن قضية الجنوب قضية عادلة، قضية شعب يستحق الحرية والعدالة.

قلت لها إن رحلتي معك لم تنته عند هذا الحد. فقد تابعت الأحداث عن كثب، وقرأت الكتب والمقالات التي تتحدث عن تاريخك ونضالك. وكلما تعمقت في القضية، كلما زاد إصراري وتعلقي فيك واستمريت على دعم شعبك في نضاله المشروع.

شاركت في المظاهرات والاعتصامات، وكتبت المقالات والتقارير التي تطالب بحل عادل يوصلنا اليك. تحدثت إلى الصحفيين والسياسيين، وحاولت جاهدً إيصال صوتك إلى العالم.

وقد قابلت في رحلتي هذه العديد من الأشخاص الملهمين، من نشطاء سياسيين إلى قادة ثوريين. وقد تعلمت منهم الكثير عنك، وعن روح الصمود والتحدي التي يتمتع بها شعبك.

لكن وجدت الطريق نحو الظفر بك و تقرير مصيرك ما زال شاقًا. فهناك قوى كثيرة، داخلية وخارجية، لا تزال تحاول إجهاض هذا الحلم. لكنني متفائل بأن شعبك سينتصر في النهاية، لأن قضيته عادلة، ولأن نضاله من أجل الحرية والعدالة لن يتوقف حتى يتحقق حلمه ويظفر بك.

فأنا الآن أحد الساعين لك وسأظل كذلك حتى تتحقق العدالة لشعبك، وحتى يعيش أبناؤك في سلام وحرية وكرامة.

وفيما كنت أحدثها عن الواقع المؤلم الذي يعيشه شعبها، عن تضحيات الشهداء الذين رووا بدمائهم تراب أرضهم، وعن فساد القيادة التي نهبت ثروات البلاد وفرطت في حقوق شعبها، كانت تستمع إليّ باهتمام بالغ، عيناها تفيضان حزنًا وألمًا.

قلت لها: "شعبك يعاني ، يعاني من الفقر والبطالة والمرض، يعاني من ظلم فاسدين باعوا الوطن بثمن بخس. شبابك يموتون في جبهات القتال، بينما قادتك يتنعمون بالرفاهية في الخارج."

أردفتُ قائلاً: "المجلس الانتقالي، الذي كان يفترض أن يكون حاميًا لقضيتكم، صمت فجئة دونما مبررات وكاد يصبح جزءًا من المشكلة، لا جزءًا من الحل."

استمعت إليّ بصبر، ثم قالت بصوت يعتصره الألم: "، أعلم كل هذا. لكن شعبي لن ييأس، لن يستسلم. شعب الجنوب شعب عظيم، شعب لا ينكسر مهما اشتدت عليه المحن."

تابعت حديثها قائلة: "شهداؤنا هم منارة تضيء لنا الطريق، تضحياتهم لن تذهب سدى. وسنواصل نضالنا حتى ننتصر، حتى نستعيد حقوقنا المسلوبة."

شعرتُ بالإعجاب الشديد بقوة إيمانها، بعزيمة شعبها التي لا تُقهر. قلت لها: "أنا معكِ ، أنا مع شعب الجنوب في نضاله العادل. وسأستمر في دعمك حتى يتحقق الحلم في تقرير مصيرك."

جلسنا معًا نتحدث لساعات طويلة، نتبادل الآراء والأفكار، نتفق تارةً ونختلف تارةً أخرى. لكن في النهاية، كنا متفقين على شيء واحد: قضية الجنوب قضية عادلة، قضية شعب يستحق الحرية والعدالة.

عدتها أن أكون سفير قضيتها، أن أنقل قصتها للعالم، أن أقول للجميع إن قضية الجنوب قضية عادلة، قضية شعب يستحق الحياة الكريمة والحرية.

فأنا الآن إلى جانب الشعب أحمل قضيتك يا فتاة الجنوب، قضية شعبك قضيتي. وسأظل أدافع عنها حتى تتحقق العدالة، حتى يعيش أبناء الجنوب في سلام وحرية وكرامة.

تلك الفتاة التي التقيتها على الشاطىء ستبقىء في ذاكرتي إلى الأبد ،وستبقى هي قضيتي حتى يتحقق حلم شعبها في تقرير مصيرها وبناء مستقبل أفضل..