الجمعة - 30 مايو 2025 - الساعة 08:38 م
في ذاكرة اهل اليمن، تتوارث الأجيال أمثالًا شعبية ليست مجرد كلمات، بل خلاصات لتجارب عميقة ورؤى اجتماعية ناضجة. ومن تلك الأمثال الخالدة في الموروث الشعبي اليمن.. المثل القائل..
ما بين عيدين مقضات حاجة.. كإشارة ذكية من الاوائل إلى فترة زمنية يستحب فيها قضاء الحاجات وطلب المعروف وإنجاز الأمور العالقة.
وهنا بالتاكيد ان المثل يشير إلى الفترة ما بين عيد الفطر وعيد الأضحى، والتي تمتد نحو شهرين وعشرة أيام تقريبًا، وهي مدة يتصف فيها الناس بالراحة النفسية والقدرة المالية النسبيّة زمان بعد فرحة رمضان وعيد الفطر، تهدأ الالتزامات ويستقر حال الناس، ولم يبلغوا بعد أعباء عيد الأضحى ومتطلباته، مما يجعل النفوس أكثر صفاءً والقلوب أكثر ميلا للعطاء.
وما يجعل هذا المثل حيا حتى اليوم هو فطنته في التوقيت، وفهمه العميق للطبيعة البشرية. فالناس إذا ارتاحت قلوبهم وهدأت مشاغلهم، كانوا أقدر على البذل والإحسان. لذا، فان من أراد قضاء حاجة سواءً كانت طلبا لمساعدة، أو اخرى، أو تيسير زواج، أو حتى إصلاح ذات البين والعفو في القضايا فإن التوقيت الأمثل هو هذه الفترة التي تفيض فيها البيوت بالخير، والناس والنفوس بالرضا، والقلوب باللين.
المثل لا يشجع على التسويف، بل هو دعوة ضمنية إلى فهم المجتمعات والتعامل معها بذكاء التوقيت. ليس كل باب يطرق في كل حين، ولا كل حاجة تطلب في كل وقت. فكما أن الزرع لا يجنى إلا في موسمه، فإن الحاجات تقضى حين تتهيأ لها الأرضية النفسية والاجتماعية المناسبة.
وفي زمننا اليوم، يمكن تحويل هذه الحكمة الشعبية إلى مبدأ عمل للجهات الإنسانية والخيرية والإعلامية والاجتماعية. فالمؤسسات التي تسعى لتقديم المساعدات، أو لمد جسور التواصل المجتمعي، يمكن أن تستثمر هذه الفترة ما بين العيدين.. كمرحلة ذهبية لردم الفجوات وتطبيب الجراح وتقديم العون بين افراد المجتمع.
نعم ما بين عيدين مقضات حاجة.. ليست مجرد عبارة، بل خريطة ذهنية ذكية تعلمنا أن للكرم توقيتا، وللحاجة موسما، وأن من أراد أن ينجز أمرا، فليعرف متى وكيف يطرقه. إنها دعوة للوعي بالتفاصيل، والإدراك العميق لنبض الناس وأحوالهم.
وما أجمل أن نعيد إحياء مثل هذه الحكم في حياتنا اليومية، فهي تراث لا يشيخ، وفهم لا يقدر بثمن.