مقالات


الجمعة - 21 نوفمبر 2025 - الساعة 03:11 م

الكاتب: د/ محمد ابوبكر شوبان - ارشيف الكاتب



يا أيها الأموات، أحييكم بتحية الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنتم السابقون ونحن لا شك بكم لاحقون أسال الله لنا ولكم العافية، أيها الأموات جميعا من كل التيارات السياسية والمذهبية أوالفئوية والعرقية : أسأل الله أن يعفو عنكم وهذا جل ما أتمناه وأن أعمالكم كانت نابعة من نواياكم الخالصة وأنها كانت لله ثم للوطن عند الجميع من كان على صواب أو من غرر به .
على أية حال ها أنتم هؤلاء في عالم لا نعلم منه شيئا عن حالكم وأنتم في المقابر هيل على أجسادكم التراب ولكن عزؤنا أننا نحتسبكم شهداء عند الله ترزقون ..
فيا أيّها الشهداء شيباً و شبّاناً و أطفالاً ونساءًا من مات في الميدان ومن اغتالته يد الغدر أو وافاه الأجل إلى مضجعه برصاصة طائشة أو صاروخ ضل طريقه أو غارة خانتها التكنلوجيا أو من يتعامل معها ..
فيأيها الميّتون على ثرى الوطن ومن أجل حرية وكرامة مواطنيه، أيها القابضون على الجمر تحت نيران صمتكم المطبق في عالم الأموات، أقول لكم -وللأسف-: إنه حتى اللحظة لم يتغير من الحال شيئا بل زاد الطين بلة فتضاعفت المعاناة وأنتم السبب وإن لم تقصدوا ذلك ولكل امرئ ما نوى كيفما كانت نواياكم .. ولو قدر لكم أن ترون أو تسمعون عن حالنا من بعدكم لضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين.
أيها الأموات في عالم البرزخ أطمئنكم أنه حتى اللحظة لم يستفد من تضحياتكم إلا قلة قليلة ساندها الحظ أو الانتماء بشتى انواعه ولم يصل إلى شعبكم المظلوم إلا أوجاعا يرافقها الجوع من فقر وخوف وعوز .. ولو قدر لأرواحكم أن تزور دنيانا فستعلم أن ما أقوله صوابا لا يخالطه شك وستدرك فداحة الخطب فقد اعتلى رفات أجسادكم الطاهرة من يستحق ومن لا يستحق ..
أيها الميتون القابعون في البرزخ، استسمحكم عذرا لأني قطعت صمتكم لكن لتعلموا أني لم ألجأ لمخاطبتكم إلا بعد أن رأيت أن هناك ممن أخاطبهم أزعجهم قولي وقالوا عني مالم أقله أو أخذوا في تفسير ما أقوله مذاهب شتى فوجدتكم أكثر منهم موقعا للخطاب وأضعف الإيمان أنكم لا تستطيعون الكلام لو أردتم تزوير أوتحريف ما أقوله على هواكم، ولم ألجأ إليكم إلا بعد أن ذاب لساني وأنا أخاطب الأحياء ليلا ونهارا ولم يزدهم خطابي إلا فرارا فلجأت إليكم لأخبركم إن دماءكم الزكية التي ظننتم أنها سفكت على مذبح الحرية لم تؤت ثمارها لما سالت من أجله.
أيها الأموات، لعلكم أن تفهموني أكثر من هؤلاء الأغبياء الذين تبلدت عقولهم وقست قلوبهم فاضحت وظلت وأمست وباتت وصارت صخورا لا تعي و ريحا لا تحس ولا تتفاعل ولا تفهم ولم يبق من أنسانيتها إلا أنها محسوبة على عالم الأحياء لكنها في الحقيقة هالكة الضمير تحولت إلى كابوس مفجع على صدر شعب أصابه هزال السياسة وعفنها؛ كابوس يتنقل من حيّ إلى حيّ ومن مؤسسة إلى أخرى!
أيها الميتون، أعرف أنكم لا تستطيعون الاعتذار وطلب السماح والعفو ممن أصابتهم الحاجة وقلة ذات اليد أو باتوا مشردين من وطنهم تائهين يهيمون لا أهل ولا وطن ولا جار جراء فعلكم الذي لم تقصدوا منه إلا خيرا لكنه ظل طريقه ..
أيها القابعون في عالم الموت، ها أنتم تحت أنقاض الثرى ولو كنتم فوق الأرض لصعقتم من هول ما يحدث بنا..
أيها الميتون: كل انجازكم الذي حققتموه أنكم استرحتم من هذا العالم المتهالك فلتهنأوا وأنتم في مقابركم .. لكنني أسالكم: أيعجبكم هذا الوجع الدائر فينا؟! هل تضحكون الآن لأنكم فزتم بالهروب من خرائط أوجاعنا ونحن لا زلنا نتقاسم التيه و القرارات الموجعة تحت إيقونة الوطن؟! لن أطيل الحديث معكم فأنا لا أعلم ما هي أوضاعكم لانه غيب يعلمه الله لكن الذي أعلمه يقينا أنكم ارتحتم من هذه الحياة ومن أزيز الطائرات والاشتباكات اليومية وأصوات المدافع ومن حملات الاعتقالات العشوائية ومخططات الاغتيالات ومن عذابات حاجاتنا الأساسية التي نلهث وراءها كي نوفّر شيئاً منها .
أعلم أنكم الآن تعيشون سعادة غامرة أنكم لا ترون مسؤولين كباراً في المواقع و الصحف و الفضائيات يفصلون من الهواء قمصان لنا وهم يبتسمون ابتسامات كاذبة ضالة ويوزعون قبلات الموت البطئ !
أيتها المقابر ؛ قولي لشهدائنا ألف مليون ترليون مبروك لكل القادمين إليك فقد فازوا فوزاً عظيماً و تركونا نشقى بحياة كلّ من عليها أحياء لا حياة فيهم فهم لايسمعون ولا يبصرون ولكنهم يتقنون صنع الأوجاع بنا ولنا ..
فهنيئاً لكم يا كلّ الأموات..