الإثنين - 09 يونيو 2025 - الساعة 04:21 م
منذ الإعلان عن تشكيل المجلس الرئاسي، وبالنظر إلى تركيبته التي ظهرت في يومه الأول، تفاءل الكثير من اليمنيين بأن هذا التغيير سيحدث تحوّلًا ملموسًا على مختلف الأصعدة، لا سيما السياسية والعسكرية والاقتصادية. إلا أن الواقع سرعان ما خيّب تلك التطلعات، إذ ازدادت الأوضاع سوءًا وتعقيدًا على كافة المستويات.
اليوم، تتعالى أصوات كثيرة تُحمّل دول التحالف العربي مسؤولية ما وصلت إليه البلاد من أزمات خانقة ومعاناة متفاقمة. غير أن هذه النظرة، من وجهة نظري، ليست دقيقة بالكامل. فمن ينظر إلى تركيبة المجلس الرئاسي بتمعّن، يدرك حجم التناقضات التي تحكم مكوناته، حيث أضحى المجلس ممثلًا لشريكين أساسيين: الإخوة الشماليين، وشركاؤهم الجنوبيين من المجلس الانتقالي الجنوبي، في ظل حالة من التنازع والخلاف المستمر بين الطرفين.
ولا يخفى على أحد أن كلا الفريقين يعملان في اتجاهين متعاكسين، ويجهدان في تقويض بعضهما البعض، بدلًا من العمل المشترك لخدمة المواطن واستعادة الدولة. ونتيجة لذلك، تراجع احترام وثقة المجتمع الدولي ودول التحالف في هذا الكيان، الذي لم يعد يُنظر إليه كجسم وطني موحَّد.
الإخوة الشماليون، من جانبهم، لم يتوانوا عن خوض "حرب الخدمات"، التي رأوا فيها وسيلة ناجعة لإضعاف المجلس الانتقالي، شريكهم في السلطة. في المقابل، وقع المجلس الانتقالي في خطأ سياسي فادح، حين استمر في تحميل الطرف الشمالي كامل المسؤولية، متناسيًا أنه شريك فعلي في إدارة الدولة. ونتيجة لهذا التخبط، بدأ الانتقالي يخسر شيئًا فشيئًا الحاضنة الشعبية الجنوبية التي لطالما ساندته.
وقد شكّلت التظاهرات النسوية الأخيرة في الجنوب، والتي خرجت بلون السواد تعبيرًا عن الألم والمعاناة، رسالة واضحة وصادمة، تؤكد أن الشعب يذوق مرارة "الموت البطيء" في ظل غياب الرواتب والخدمات الأساسية من كهرباء ومياه. وللأسف، فإن طريقة التعامل مع تلك التظاهرات – وخصوصًا منع النساء من التعبير السلمي – كانت بمثابة نقطة سوداء في جبين كل من يدّعي تمثيل قضية الجنوب.
هكذا، يحقق الفريق الشمالي مكاسب سياسية على حساب الانتقالي، دون خوض مواجهة مباشرة، بل عبر تفوق تكتيكي في إدارة الصراع السياسي.
ورغم هذه الصورة القاتمة، لا بد من الاعتراف بجهد يُحسب لأحد أعضاء المجلس الرئاسي، وهو العميد طارق محمد عبد الله صالح، الذي استطاع أن يترك بصمة ملموسة من خلال تنفيذ مشاريع تنموية في المناطق التي يشرف عليها. كما تميّز بموقف صريح حين قال:
"قرارات الحرب ليست بأيدينا، إن قالوا حرب حاربنا، وإن لم تكن حرب، عدنا نزفلت ونبني."
وهو تصريح يعكس وعيًا سياسيًا وواقعية نفتقدها في مواقف كثير من القيادات.
نجح طارق صالح في ترك أثر إيجابي – ولو نسبيًا – في وقت تتنازع فيه مجموعتان على السلطة، بينما يغيب المشروع الحقيقي لخدمة المواطن. ولعلّنا كنا سنكسب جميعًا لو أن الجميع تبنّى الموقف ذاته، بدلًا من الانشغال بالصراعات والتصعيد.
ختامًا، يبقى السؤال الحاسم:
هل من صحوة ضمير قبل فوات الأوان؟
هل يستيقظ من بيدهم القرار قبل أن يُطوى هذا الوطن في دفاتر الفشل والخذلان؟