السبت - 28 يونيو 2025 - الساعة 06:30 م
السياسة الأمريكية طويلة المدى وثباتها رغم تغيّر الرؤساء
تتميز الولايات المتحدة الأمريكية بسياسة بعيدة المدى، وُضعت بدقة وعناية، وجُعلت بمنأى عن تأثيرات تبدّل الرؤساء أو الأحزاب الحاكمة، مهما اشتدت الخلافات أو تصاعدت الحملات الإعلامية أثناء الانتخابات الرئاسية.
ومن يتابع سياسة الولايات المتحدة، خاصة خلال الانتخابات الأخيرة، يلاحظ التصريحات المتبادلة بين السياسيين من الحزبين، والتي تبدو في ظاهرها كخلافات حادة وتحولات في توجهات الدولة. إلا أن الواقع مختلف؛ فهذه الخلافات غالبًا ما تكون جزءًا من مشهد سياسي محسوب، يخدم الأهداف الكبرى لأمريكا على المدى البعيد.
فعندما يصف ترامب منافسه بايدن بالفشل، فإنه لا يفعل ذلك إلا لخدمة مصالحه الشخصية، ولكن في النهاية يبقى ذلك في إطار يخدم مصلحة أمريكا العليا. وما نسمعه من تصريحات رسمية وإعلامية تنتقد ترامب، سواء فيما يتعلق بإيران أو غيرها، ثم ردود ترامب العنيفة، ليست سوى جزء من هذا المشهد المتفق عليه ضمنيًا، لأن فترة حكم ترامب – أو أي رئيس – مؤقتة، ولا يمكن أن تُبنى عليها سياسة دائمة لأمريكا.
وغدًا سيأتي رئيس آخر، يهاجم سلفه بما يخدم المرحلة المقبلة، وهكذا تستمر السياسة الأمريكية وفق نهج ثابت لا يترك للرؤساء هامشًا واسعًا للتصرف خارج إطار تلك الإستراتيجية. إنها سياسة صُمّمت لتبقي أمريكا دولة كبرى، لا يحق لرئيس أو حزب أن يخرج عنها، أو أن يستخدم السلطة لتصفية خصومه أو فرض توجهات فردية قد تجر البلاد إلى كوارث مشابهة لما حدث في دول أخرى دمرتها الأنظمة الفردية والديكتاتورية.
السياسة الأمريكية لا تخشى التغيرات العالمية، سواء كانت سياسية أو عسكرية، لأنها تدرك أن هيمنتها العالمية لن تُنتزع إلا إذا ظهرت قوة اقتصادية عظمى تنافسها، كما هو الحال مع الصين اليوم، التي تُعد أبرز تهديد للزعامة الأمريكية.
فأمريكا تدرك أن القوة الاقتصادية هي الأساس، حتى قبل القوة العسكرية، ولهذا جمعت بين الاثنين. وعلى هذا النهج، تسير الصين بثبات، وتتجنب الصراعات المباشرة منذ الحرب الباردة، ما جعلها اليوم ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، بفضل نجاح قادتها وتخطيطهم الطويل المدى.
لقد نجحت الولايات المتحدة في بناء نظام سياسي يجعل من رئيسها – حتى عندما يتصرف بفظاظة أو "بلطجة" – خادمًا في النهاية لمصالح الدولة، سواء خلال ولايته أو بعدها. وهكذا تستمر أمريكا، تتغير فيها الوجوه، لكن تبقى السياسات الكبرى ثابتة ومدروسة تخدم مصالحها لعقود قادمة.