السبت - 27 سبتمبر 2025 - الساعة 03:57 م
تتكرر في الآونة الأخيرة حملات إعلامية وسياسية ممنهجة تستهدف الجنوب والمجلس الانتقالي الجنوبي، تتهمه زورًا بالتقرب من إسرائيل، في محاولة لتشويه قضيته العادلة ونسف مشروعيته في مطالبته باستعادة دولته. هذه الحملات لم تأتِ من فراغ، بل تعكس حالة من الهلع السياسي لدى بعض الأطراف التي تخشى أن يجد الجنوب طريقه نحو الاعتراف الدولي.
ولكن، وقبل الخوض في هذه الاتهامات، يجب أن نطرح سؤالًا صريحًا: من يحق له أن يتحدث عن "العمالة" و"التطبيع" و"العلاقات مع إسرائيل"؟
مَن يزايد اليوم كان أول المهرولين بالأمس
تاريخيًا، هناك وقائع كثيرة بعضها موثق تشير إلى محاولات من قِبل أطراف نافذة في الجمهورية العربية اليمنية (الشمال سابقًا) للتواصل والتنسيق مع إسرائيل، خصوصًا خلال حرب 1994، حين كان الهدف الحاسم هو احتلال الجنوب وإسقاط مشروع الدولة الجنوبية. في تلك الفترة، سُجلت تحركات سياسية واتصالات سرية بغرض الحصول على دعم لوجستي ودولي من أطراف غربية، بما في ذلك إسرائيل، مقابل وعود وتنازلات.
المفارقة أن هؤلاء الذين طرقوا أبواب تل أبيب بالأمس، هم أنفسهم من يطلقون اليوم شعارات التخوين ويتهمون الجنوبيين بالتطبيع، في محاولة لإسقاط ما فيهم على الآخرين.
الجنوب... وقضية عادلة لا تحتاج لبوابات خلفية
قضية الجنوب ليست قضية تبحث عن مشروعية مزيفة، ولا تسعى إلى طرق الأبواب الخلفية. إنها قضية شعب ناضل طويلًا من أجل حقه في تقرير مصيره، ويمتلك من الحاضنة الشعبية والتاريخ السياسي والجغرافي ما يجعله مؤهلًا ليُطرح في أروقة الأمم المتحدة، لا عبر صفقات ولا عبر وساطات مشبوهة.
وإذا كانت بعض القوى السياسية قد اعتادت استخدام فزاعة "إسرائيل" لتشويه خصومها، فإن الجنوب ليس في هذا المربع. وما يُنشر بين الحين والآخر من شائعات أو تقارير مفبركة، لا تعدو كونها محاولات يائسة لتشتيت الرأي العام وصرف الأنظار عن الواقع الكارثي الذي تعيشه القوى الوحدوية.
الكيل بمكيالين... والنفاق السياسي
من المؤسف أن من يصدرون بيانات التنديد اليوم باسم "القضية الفلسطينية" هم أنفسهم من انتهكوا كل قيم السيادة والشرف الوطني بتحالفاتهم المشبوهة وارتباطاتهم الخارجية، حتى باتت بعض العواصم الأجنبية تتحكم في قرارهم السيادي أكثر مما يفعل أبناء وطنهم.
بينما لم يسجل على المجلس الانتقالي الجنوبي أي موقف علني أو رسمي يُشير إلى تقارب مع إسرائيل، في الوقت الذي نجد فيه أطرافًا يمنية أخرى منها من ينتمي إلى معسكر "المقاومة" لم تتردد في إرسال الوفود وتقديم التنازلات مقابل دعم سياسي أو اعتراف مؤقت.
كلمة أخيرة
إن محاولة إلصاق تهمة "التطبيع" بالجنوب لن تُسقط عدالة قضيته، ولن تمنع أبناءه من مواصلة نضالهم السلمي والسياسي من أجل استعادة دولتهم. والأجدر بمن امتهنوا الخطاب التخويني، أن يُراجعوا أرشيفهم، ويتأملوا علاقاتهم الخارجية، قبل أن يرموا الآخرين بحجارة العمالة والخيانة.
فمن كان بيته من زجاج... فالأجدر به ألا يرشق الناس بالحجارة.
وتاريخكم الأسود لا يُؤهلكم لتوزيع صكوك الشرف!"