السبت - 20 ديسمبر 2025 - الساعة 03:55 م
في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها محافظة شبوة، وما صاحبها من وقائع مؤلمة هزت الرأي العام، برزت حاجة ملحة تتجاوز مجرد "التحكيم" في واقعة بعينها؛ إننا اليوم أمام ضرورة تاريخية لصياغة "ميثاق شرف قبلي واجتماعي" يضع حداً فاصلاً بين إنفاذ الحقوق وبين الفوضى، ويمنع بشكل قاطع أخذ الثأر أو تنفيذ القصاص خارج أروقة القضاء والطرق القانونية.
إن إقدام الأفراد أو القبائل على تنفيذ العقوبات بأنفسهم، بعيداً عن مؤسسات الدولة، يفتح باباً لا يمكن إغلاقه من الثأرات المتسلسلة فمهما بلغت عدالة القضية، فإن تنفيذها خارج القانون يحولها من "قصاص" إلى "جريمة جديدة" تشرعن للعنف، وتجعل المجتمع في حالة صدام مستمر، مما يضعف هيبة الدولة ويمزق النسيج الاجتماعي.
هنا يجب أن يرتكز الميثاق المطلوب على نقاط جوهرية تلتزم بها كافة المكونات القبلية والاجتماعية في شبوة، ومنها:
-أن يكون تنفيذ الأحكام الجنائية حقاً حصرياً للأجهزة الأمنية والقضائية التابعة للدولة.
- تجريم توثيق وتصوير عمليات القتل أو القصاص ونشرها، لما فيها من إهانة للكرامة الإنسانية وإثارة للفتن.
- رفع الغطاء القبلي عن أي فرد يرتكب جريمة قتل خارج إطار الدفاع عن النفس أو القانون، بدلاً من حمايته وتبرير فعله .
كما يتوجب تفعيل دور المشائخ والعقال و الحكماء للتدخل قبل وقوع الجريمة، والضغط على السلطات لتسريع إجراءات التقاضي لضمان عدم لجوء الناس للثأر.
لا يتعارض العرف القبلي مع القانون إذا كان الهدف هو الإصلاح فالعرف في بلادنا كان دائماً صمام أمان، لكنه يحتاج اليوم إلى "تحديث" ليتماشى مع الدولة المدنية. ميثاق الشرف يجب أن ينص على أن "العرف يسند القانون ولا يستبدله"، وأن القبيلة هي الضامن للامتثال للقضاء، وليست البديل عنه.
هناك مسؤولية تقع على عاتق مشايخ المحافظة ومثقفيها وأجهزتها الأمنية للجلوس على طاولة واحدة، وتحويل حالة الاستنكار الشعبي التي تلت الحوادث الأخيرة إلى وثيقة ملزمة إن "الاعتبار" الحقيقي لأي قبيلة ليس في قدرتها على أخذ حقها بيدها، بل في قدرتها على فرض النظام واحترام سيادة الشرع والقانون .
وفي الوقت الذي تنشد شبوة التنمية والاستقرار فأنه لا يمكن أن تبني مستقبلها ببنادق الثأر لذا فإن ميثاق الشرف المقترح سيكون "طوق نجاة" للأجيال القادمة، لضمان مجتمع تسوده العدالة، وتحكمه المؤسسات، ويحمي فيه العرف كرامة الإنسان لا أن يكون أداة لإنهاء حياته ..